مقالات

رحلتي إلى الصين… من بكين التاريخية إلى شاندونغ العريقة وتشينغداو الساحرة

رحلتي إلى الصين… من بكين التاريخية إلى شاندونغ العريقة وتشينغداو الساحرة

بقلم د. هدى الساعاتي

كانت رحلتي إلى الصين رحلة فريدة من نوعها، حملتني بين عراقة التاريخ وروعة الحاضر، وجمعت بين جمال المدن الصينية المختلفة من العاصمة بكين إلى إقليم شاندونغ ثم مدينة تشينغداو المطلة على البحر. كل محطة كانت عالمًا قائمًا بذاته، يترك بصمة في الروح ويمنح الزائر تجربة لا تُنسى.

في بكين، العاصمة المبهرة، بدأت رحلتي بزيارة ساحة تيان آن من، الساحة الأشهر في الصين والتي تعد رمزًا وطنيًا وتاريخيًا، حيث تقف شامخة أمام عظمة الماضي والحاضر. ومن هناك انطلقت إلى شارع تشيانمن (الواقع أمام المدينة المحرمة)، حيث يمتزج عبق بكين القديمة بأجواء حديثة تعكس هوية العاصمة. ثم مررت بـ شارع وانغفوجينغ للمشاة، وهو أحد أشهر شوارع التسوق والحياة الليلية، الذي ينبض بالحركة والأنوار والمحال العالمية والمحلية، ليعكس صورة الصين الحديثة التي تنبض بالحياة.

لم تكتمل زيارة بكين دون الدخول إلى المدينة المحرمة، ذلك القصر الإمبراطوري الضخم الذي ظل مقرًا للأباطرة على مدى قرون، فشعرت وكأنني أسير بين صفحات كتاب تاريخي عظيم. كما زرت حديقة معبد السماء (Tiantan Park)، وهي تحفة معمارية وروحية تعكس عمق الثقافة الصينية وارتباطها بالفلك والروحانيات. كانت الأجواء هناك مفعمة بالهدوء، يتناغم فيها جمال الطبيعة مع قدسية المكان.

ومن بكين انتقلت إلى إقليم شاندونغ، الذي يعد قلبًا نابضًا بالحكمة والفلسفة. في مدينة تشيوفو، وقفت أمام مسقط رأس الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، وزرت معابده وحدائقه التي ما زالت تحمل إرثه وتعاليمه التي غيرت وجه العالم. لقد كان الوجود في مسقط رأسه تجربة روحية عميقة، حيث شعرت أنني أستمع إلى صدى كلماته القديمة وهو يدعو للعدل والأخلاق والتوازن في الحياة.

وفي عاصمة شاندونغ جنان، الملقبة بـ”مدينة العيون”، أبهرتني ينابيعها الطبيعية التي تتدفق بعذوبة، كما زرت عددًا من المتاحف والحدائق وسط المدينة التي تعكس جمالها الطبيعي وثراءها الثقافي. كانت تجربة استثنائية تجمع بين الطبيعة الخلابة والبعد الثقافي العميق.

أما في مدينة تشينغداو الساحلية، فقد عشت أجواء مختلفة تمامًا، حيث تمتزج نسمات البحر مع الطابع العمراني الذي يحمل تأثيرات أوروبية واضحة من الحقبة الاستعمارية. هناك زرت متحف تشينغداو، الذي يضم مجموعات مميزة من الآثار والتحف الفنية التي تعكس تاريخ المدينة وثقافتها المتنوعة. ولم تفارقني روعة المشهد على شواطئها الساحرة، حيث البحر الأزرق الممتد والهواء النقي الذي يملأ الروح بالراحة والانطلاق.

وفي كل محطة من هذه الرحلة، كان للجانب الأكاديمي دور محوري. ففي جامعات شاندونغ التقيت بأساتذة بارزين يمتلكون خبرة علمية كبيرة، ولاحظت مدى حرصهم على رعاية الطلاب المصريين الدارسين هناك، ومساعدتهم على الاندماج والتفوق. حديث الطلاب المصريين عن تجربتهم كان مؤثرًا، فقد عبروا عن امتنانهم للرعاية الأكاديمية والدعم الإنساني الذي يلقونه من أساتذتهم.

رحلتي إلى بكين وشاندونغ وتشينغداو لم تكن مجرد جولة في مدن صينية، بل كانت رحلة بين الحضارة والفلسفة والطبيعة والإنسان. بكين أبهرتني بعظمتها التاريخية وحداثتها الصاخبة، وشاندونغ أسرّتني بحكمتها وينابيعها وإرث كونفوشيوس، وتشينغداو خطفت قلبي بسحر البحر وعمق متاحفها. لقد خرجت من هذه الرحلة بشعور أن الصين ليست مجرد دولة، بل هي قارة من الجمال والمعرفة والحضارة الإنسانية المتجددة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى