منوعات

الذكري ٧٣ لثورة ٢٣ يوليو المجيدة 

الذكري ٧٣ لثورة ٢٣ يوليو المجيدة 

 

كتبت .. سامية عبد الحميد

 

ان ثورة 23 يوليو 1952 كانت حدثا مؤثرا في حياتنا ومواقفنا وتطلعاتنا. وهي تحتل موقعا بارزا في تفكيرنا ورؤيتنا، ولا أبالغ إذا قلت إنها ما تزال تحكم تصرفاتنا ورؤيتنا وخياراتنا.

 

ولأنها ما زالت حاضرة بقوة في حياتنا، وتفكيرنا، فإن أي تطلع للمستقبل لا يمكن أن يتجاوز هذا الحضور، بالإيجاب أو السلب.

 

وفي صلب مكونات هذه الثورة وتجربتها الحياتية ما زالت شخصية قائدها جمال عبد الناصر حاضرة أيضا في ذاكرتنا، وفي مخيلتنا، سواء كنا ممن ارتبط بتلك الشخصية واعتبرها نموذجا يحتذى، أو ممن رأى فيها تحديا طاغيا للنموذج الذي ألفه من القيادة.

 

ولأن الفصل بين ثورة 23 يوليو، وشخصية قائدها يصعب تصوره لذلك فإن الضوء يسلط على الاثنين معا باعتبارهما شيئاًواحدا

 

وبهذه المناسبة أعتقد أن من الأهمية أن نراجع بعض المفاهيم أو الأفكار التي ارتبطت برؤيتنا لهذه الثورة، وحكمت موقفنا منها:

 

1 ـ بغض النظر عن موقفنا منها يجب أن نقر أننا أمام ثورة، أرادت وعملت على تغيير المجتمع: تغيير مكانة وموقع القوى الطبقية والاجتماعية فيه، تغيير استهدفت التنمية والعمل الاجتماعي، إحدثت تغيير حقيقي في القوى التي تملك الثروة في المجتمع وفي توزيع هذه الثروة، تغيير في الانحيازات والتحالفات الخارجية، ثم تغيير في مفهوم السلطة.

 

هذه حقيقة من حقائق ثورة يوليو لابد من الإقرار بها، سواء كنا من أنصارها، أو كنا من أنصار النظام الملكي، وسواء كنا ننتمي إلى الطبقة الاقطاعية، أو كنا من العمال والفلاحين. أو كنا من الطبقة الوسطى التي كانت من استهدافات الثورة، وكذلك سواء نجحت الثورة في الوصول إلى كامل أهدافها فيما أرادت أم لا، الاعتراف بهذه الحقائق يتصل بالرؤية والتقييم الموضوعي للحدث، وليس بالموقف الشخصي منه

 ـ لا شك بأن الذي قام بالثورة هو الجيش، وحقق لها عنصري، “امتلاك القوة، وتوفر الضبط والربط”، بما يمكن من تحريك وتوجيه هذا القوة بالسرعة والحسم المطلوبين.

 

ولم يأت دور الجيش هنا على الحياة الاجتماعية، ولا تعديا على أدوار قوى أخرى في المجتمع، وإنما جاء هذا الدور بعد أن عجزت القوى السياسية في المجتمع على انجاز هذا التغيير، وبعد أن صار التغيير مطلوبا وضروريا، وفي حدود ما قرأ واطلع عليه بشأن تلك المرحلة، فليس هناك خلاف على أن” بنية السلطة الرئيسية والفرعية في المجتمع المصري”، والمتمثلة بسلطة الملك والبرلمان والأحزاب وصلت إلى مرحلة من العجز لم تعد خافية، بل إن الجميع كان ينتظر تحركا من الجيش يخرج المجتمع والدولة المصرية من حالة العطالة التي كانت قد أحاطت بهما تماما، وبالتالي فإن الجيش تحرك في 23 يوليو في ساحة وميدان أفرغ له، ولم يكن هناك من هو قادر على ملئه غيره، لذلك كان حقا القول إن الظروف الموضوعية “استدعت الجيش للقيام بهذا الدور وإنجاز هذه المهمة”.

 

3 ـ أن الجيش الذي استدعي لهذه المهمة لم يكن جيش الملك والطبقة الحاكمة التي تمثل الاقطاع وراس المال، والمتحالفة والمتعاونة أو المتلائمة مع حقيقة الوجود البريطاني رغبا أو رهبا، وإنما هذا الجيش ـ كان بفعل التغييرات التي أحدثها فتح الكلية الحربية أمام الطبقات الشعبية ـ بات يضم في بنيته ضباطا من هذه الطبقات بالإضافة إلى أبناء ” الذاوات” الذين كانوا يشكلون الطبقة العليا في هذا الجيش.

 

ومن ضباط “الشعب” ـ إن جازت التسمية ـ ولد تنظيم الضباط الأحرار، وولدت ثورة 23 يوليو. ومن هذا الانتماء ولدت أهداف الثورة الستة الاجتماعية والتحررية.

 

من هنا فإننا لسنا أمام “انقلاب عسكري” مفاجئ تسلم فيه العسكريون السلطة بقوة السلاح ، وإنما نحن أمام عملية تغيير قامت بها القوة الوحيدة المنظمة والمالكة للقوة، والمنتمية لطبقات اجتماعية غير تلك التي كانت تحكم، وهي قوة كانت تمارس السياسة على طريقتها الخاصة ، وكانت تشارك كقوة متميزة في أحداث الوطن( تدريب الفدائيين، انتخابات نادي الضباط، طبع وتوزيع المنشورات السياسية… الخ)

 

ولعل هذه الحقيقة هي ما يعمل الكثيرون على طمسها في هذه المرحلة حين يروجون بأن ثورة 23 يوليو هي بداية ” حكم العسكر” في بلادنا، وأن علينا أن نرفع شعار “اسقاط حكم العسكر” ونعمل على تحقيقه، إن هذا تزييف للوعي، من نوع تزييف وصف ثورة يوليو أنها مجرد ” انقلاب عسكري”.

 

نحن، في حياتنا الاجتماعية والسياسية في كل بلداننا، العربية، والإسلامية، وفي العالم الثالث، نحتاج إلى فهم ودراسة دور الجيش في الحياة السياسية، وأثر هذا الدور، ليس من زاوية التعارض أو الهدم لهذا الدور، وإنما من زاوية التكامل والتناغم مع هذا الدور، وجعله دورا إيجابيا في مجمل حياتنا وتطلعاتنا للمستقبل، إن الجيش في مجتمعاتنا هو القوة الوحيدة المنظمة والمنضبطة، والتي تنتمي إلى القطاع الواسع من التكوين الاجتماعي، والعمل على عزله واتخاذ موقف مضاد ومدين له، أو حذر ومتوجس منه، أو موقف متهيب ومبتعد عنه، هو موقف خاطئ لأنه في ظل ظروفنا ومرحلتنا التاريخية غير ممكن، ويخلق بيئة معادية للعمل السياسي المدني، ويحول الجيش إلى أقلية غير مؤتمنة، تعيش حالة قلق وخوف، وكل هذا مما يعطل أي إمكانية للتغيير.

 

وهنا قد يكون مناسبا التنبيه إلى أن ” الاستبداد” الذي توصف به السلطات التي يهيمن عليها الجيش، ليس اختصاصا وصفةً لهذه السلطات العسكرية وأمثالها حصريا، ولمن شاء أن يجيل نظره في كل البلاد العربية، منذ مطلع القرن العشرين حتى اليوم، وسيجد أن الاستبداد سمة من سمات كل هذه النظم. جمهورية كانت أم ملكية، قائمة على مبدأ الحزب الواحد أم تعدد الأحزاب، وسواء كانت أحزابها ذات سمات ليبرالية أو دينية أم عقائدية. تقودها أحزاب متصارعة، أو يقودها الجيش عبر انقلابات تتوالى.

 

4ـ ونحن أمام حدث ثورة يوليو يبرز جمال عبد الناصر بموقعه قائدا فردا لا يطاوله أحد في مكانته، وقد يعتبر البعض أن هذه المكانة هي نتاج الثورة

وكان من ابرز اهداف الثورة المجيدة هو القضاء علي الاستعمار واعوانه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى