منوعات

بصمات نساء أثرت فعبور ٧٣.. أسطورة النضال السيناوي شيخة مجاهدي سيناء الحاجة فرحانة

بصمات نساء أثرت فعبور ٧٣.. أسطورة النضال السيناوي شيخة مجاهدي سيناء الحاجة فرحانة

كتبت مريم علي

المرأة المصرية خلال مشاركتها في حرب أكتوبر 1973

تتجلى عظمة المرأة المصرية في كل صفحات التاريخ، فهي ليست فقط أمًا ومربية، بل شريكة أساسية في بناء الوطن ودفاعه، فعبر العصور أثبتت أنها قادرة على الصمود والتضحية في أوقات الأزمات، وكانت لها بصمات واضحة في كل حرب خاضتها بلادها، بدءًا من الحروب القديمة وصولًا إلى معركة أكتوبر المجيدة التي يتزامن اليوم مرور 51 عامًا على خوضها.
في حرب أكتوبر 1973، تجلت أروع صور الشجاعة والتفاني للمرأة المصرية، إذ لعبت دورًا محوريًا لا يمكن تجاهله، فمن مقاتِلات في صفوف الجيش إلى مسانِدات في المؤخرات، لتثبت قدرتها على التحدي والمواجهة.
وشاركت المرأة المصرية في حرب أكتوبر 1973 من خلال مقار التنظيم النسائي والجمعيات النسائية الأهلية في خدمة أسر الشهداء والجرحى، وفي بثّ الحملات الإعلامية للتطوع في التمريض والتبرع بالدم وفي تدعيم الجبهة الداخلية، بحسب الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.
ولكن اليوم فى أروقة التاريخ المصرى، يقف اسم الحاجة فرحانة حسين سالم سلامة، الشهيرة بأم داود، من مدينة الشيخ زويد، كأحد أركان النضال السيناوى المشرق. أم داود التى تخطت مئة عام من العمر، تحمل ذكريات بطولية ووطنية خالصة، جعلتها رمزًا للنضال بين أبناء سيناء ودعامة لخدمة الوطن فى أصعب المواقف.
تقديرا لهذا الدور، وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسى، بإنشاء حى باسم “الحاجة فرحانة” فى سيناء ومحور بالقاهرة، وآخر فى القاهرة تقديرا لمجهوداتها، وذلك خلال كلمته باحتفالية اتحاد القبائل العربية والعائلات المصرية
جاء ذلك خلال احتفالية اتحاد القبائل العربية والعائلات المصرية بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر باستاد العاصمة الإدارية الجديدة.
تقول حكاية الحاجة فرحانه والتى تعرف فى سيناء باسم أم داود نسبة لابنها الاكبر، ويروى الحكاية نجلها عبد المنعم وهو نجلها الأصغر الذى تعيش معه فى شقة بحى ضاحية السلام بالعريش، أن البدايات بعد نكسة عام 1967، حيث اضطرت أم داود وعائلتها للهجرة من سيناء، مصطحبة معها ست عائلات أخرى، إلى منطقة سمالوط بالمنيا، ثم إلى مديرية التحرير بمحافظة البحيرة. ولكن، لم تستسلم لواقع اللجوء؛ بل قررت، بدافع حبها العميق للوطن، الانخراط فى خدمة بلدها، لتكون إحدى السيدات السيناويات اللاتى شاركن فى النضال الوطنى ضد الاحتلال الإسرائيلى.
طلبت أم داود من أحد مشايخ سيناء التوسط لها للعمل مع المخابرات المصرية. ولأنها تعمل فى تجارة الأقمشة والملبوسات، كانت تتنقل بين القاهرة وسيناء، متخذة من ذلك ستارًا لنقل المعلومات عن تمركزات العدو وتحركاته فى سيناء. تمكنت رغم عدم إجادتها للقراءة والكتابة من تسجيل ورصد تفاصيل مهمة، حيث كانت تحفظ الرموز على سيارات العدو وترسمها على الرمال حتى تسلمها لضباط المخابرات.

ومن خلال رحلاتها التجارية، مرت أم داود على العديد من النقاط الاستراتيجية فى سيناء، وسجلت بذاكرتها ما شاهدته من تحركات وأعداد الجنود والدبابات، مما كان له أثر كبير فى نقل معلومات دقيقة للمخابرات الحربية المصرية.

وفى إحدى المهام، تم تكليفها بنقل خرائط ومعلومات سرية من سيناء إلى القاهرة، حيث كانت تقيم عند المجاهد اشتيوى الحبانين بوسط العريش وتستلم منه المعلومات. ومن خلال طرق وعرة وخطرة، كانت أم داود تقطع مسافات طويلة سيرًا على الأقدام، تسترشد بالنجوم حتى تصل إلى النقاط المتفق عليها، مثل منطقة الدهيشة والقصب والهبش، حيث تنتقل بعد ذلك عبر وسائل نقل مختلفة.
وفى حادثة أخرى، تلقت خريطة لمطار الجورة فى الشيخ زويد، وأخفتها داخل ثوبها بعد خياطتها، ثم تمكنت من إيصالها إلى القاهرة بنجاح. لم تكتفِ أم داود بنقل الخرائط فحسب؛ بل حملت أيضًا أسلحة وصورًا فوتوغرافية لمستعمرات إسرائيلية فى الشيخ زويد، بفضل جسارتها وتخفيها الذكى.
فى إحدى المرات، أوقفتها نقطة تفتيش مصرية عند القنطرة، حيث تم العثور على فيلم مخبأ فى “الصوفية” وهى الحزام الذى تلف بها وسطها وعند اكتشافه، قام الضابط المصرى بتكريمها ومنحها وجبة تكريمية، قبل نقلها إلى القاهرة لاستكمال المهمة. كانت أم داود تُرسل رسائل مشفرة عبر الإذاعة إلى المجاهدين فى سيناء؛ عند نجاح مهمتها كانت تبعث سلامها عبر الراديو، مما جعل المجاهدين يحتفلون ويوزعون الحلوى فرحًا بنجاح العملية.
لم تتوقف عن النضال حتى حينما سقطت فى قبضة المخابرات الإسرائيلية؛ حيث تظاهرت بالموافقة على التعاون معهم وطلبوا منها تجنيد أشخاص بالقاهرة، لتعود وتبلغ المخابرات المصرية بالتفاصيل، وتحافظ على سرية مهامها حتى عادت إلى سيناء فى الثمانينات بعد تحريرها.

بعد سنوات من النضال، تظل أم داود رمزًا للإنسانية والتواضع وفى مبادرة كريمة، تبرعت بخاتمها الذهبى الوحيد لصالح بناء مستشفى حياة للأورام بسيناء. كما تعتبر ملهمة للعديد من الشخصيات السيناوية، حيث يزورها الإعلاميون ورواد العمل المدنى طلبًا لنصائحها وحكمتها الحياتية، مما جعلها شخصية محبوبة ومحترمة فى المجتمع.
حصلت أم داود على تكريمات عدة؛ أبرزها من رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى عام 2021، خلال تكريم الأمهات المثاليات. كما نالت تكريمات من المجلس القومى للمرأة، وتكريم من مؤسسة حياة للتنمية، ومن إذاعة شمال سيناء، ومن حزب حماة الوطن. وفى إحدى اللقاءات، أهدت للرئيس عبد الفتاح السيسى قطعة من التراث السيناوى تقديرًا لجهوده تجاه الوطن.

المصرية فرحانة سلامة، فهي واحدة من أشهر المجاهدات في سيناء، ولُقِبَت بـ”شيخة المجاهدين في سيناء”، لدورها ضد الاحتلال الإسرائيلي خلال فترة ما بعد نكسة 1967 واحتلال سيناء وحتى تحريرها، لذلك منحها الرئيس الراحل أنور السادات وسام الشجاعة من الدرجة الأولى ونوط الجمهورية.
وعن دورها في الحرب، قررت أن تشارك في المعركة، بأنها تطوعت بمنظمة “سيناء العربية” التي أسسها جهاز المخابرات، وهناك تدربت علي حمل القنابل وطرق تفجيرها وإشعال الفتيل وتفجير الديناميت ونقل الرسائل والأوامر من القيادة إلى رجال المنظمة، وكانت تنقل الرسائل والأوامر من قيادات الأمن في القاهرة إلى الضباط وقيادات سيناء في ذلك الوقت، ورغم الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي من تفتيش إلا أن هذا لم يجعلها تتراجع عن هذا الدور العظيم، والمشاركة في نصر أكتوبر.
نجحت “فرحانة” في نقل معلومات حول العدو الإسرائيلي، مثل نيته بناء مطار في قرية الجورة بالشيخ زويد، ونقلت صورًا ووثائق معسكرات بمنطقة ياميت وخريطة مطار الجورة.
وكان تفجير قطار للعدو في مدينة العريش المصرية يحمل معدات وبضائع لجيش الاحتلال بجانب بعض الجنود والأسلحة، أول عملية لـ”فرحانة”، إذ زرعت القنبلة قبل قدوم القطار لينفجر بالكامل، وأعقب ذلك عمليات أخرى طالت سيارات للجنود بصحراء سيناء.
لم تكن فرحانة سلامة وحدها بل المصرية سيدة فهمية كانت إحدى المحاربات الواقفات على الجبهة، إذ تعد أبرز السيدات السيناويات، وكانت أول امرأة يتم تجنيدها من المخابرات الحربية، لرصد المواقع الإسرائيلية على الضفة الغربية وخط بارليف، ومعرفة نوع السلاح وعدد القوات، لتخلد كرمز حتى يومنا هذا، وتصبح واحدة من السيدات الاتي صنعن تاريخ أوطانهن، ويكنّ جزءًا لا يتجزأ من ملحمة النضال المصري وتجسيد للروح الوطنية التي لا تنكسر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى