من روح أكتوبر.. عبور المجد و بطولات لا تنتهي

من روح أكتوبر.. عبور المجد و بطولات لا تنتهي
بقلم : د. هدى الساعاتي
في السادس من أكتوبر عام 1973، دوّى صوت الحق في سماء الوطن، حين انطلقت صيحات “الله أكبر” تدوي عبر القناة معلنة بداية أعظم انتصارات الأمة العربية في العصر الحديث.
إنها الذكرى التي لا تغيب عن وجدان المصريين، ذكرى نصر العزة والكرامة، حيث استعاد الجيش المصري أرضه وهيبته، وكتب بدماء أبنائه ملحمة بطولية أدهشت العالم وغيرت موازين القوة في الشرق الأوسط.
لم تكن حرب أكتوبر مجرد معركة عسكرية، بل كانت حرب الإرادة والإيمان، حرب أظهرت المعدن الحقيقي للمقاتل المصري الذي صمد وقاتل وعبَر تحت وابل النيران ليصنع معجزة ما زال التاريخ يرويها بكل فخر.
فمن الضباط إلى الجنود، ومن الميادين إلى مواقع الإمداد، كان الجميع كتلة واحدة من الشجاعة والانتماء، يقاتلون من أجل “أرضهم.. شرفهم.. وحقهم”.
شهداء خالدون في ذاكرة الوطن
سطّر العديد من أبطال مصر أسماءهم في سجل الخلود، بعدما قدّموا أرواحهم فداءً للوطن، لتبقى ذكراهم نبراسًا للأجيال القادمة. ومن بين هؤلاء الأبطال:
الشهيد الفريق عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الذي استشهد وهو بين جنوده على خط الجبهة، رمزًا للتضحية والفداء.
الشهيد الطيار عاطف السادات، شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، الذي استشهد في أولى الطلعات الجوية البطولية، مجسدًا معنى الشجاعة والإقدام.
الشهيد العميد أحمد حمدي، الذي لُقّب بـ”شهيد القناة”، بعد أن استشهد أثناء إصلاح كوبري العبور لتأمين تقدم القوات إلى الضفة الشرقية.
الشهيد إبراهيم الرفاعي، أسطورة قوات الصاعقة، الذي نفّذ عمليات بطولية خلف خطوط العدو واستشهد في معركة الإسماعيلية رافعًا راية النصر.
الشهيد محمد المصري، أحد أبرز أبطال سلاح المشاة، الذي دمّر أكثر من 27 دبابة إسرائيلية ليصبح أسطورة في القتال الميداني.
الشهيد سليمان الضبع، بطل من أبطال الدفاع الجوي، الذي واجه الطائرات الإسرائيلية بشجاعة نادرة حتى نال الشهادة مرفوع الرأس.
الإسكندرية… مدينة العطاء والبطولة
لم تغب الإسكندرية عن ساحة الشرف، فقد كانت وما زالت مصدرًا للرجال الأوفياء الذين لبّوا نداء الوطن.
من أحيائها العريقة خرج العشرات من الأبطال الذين رووا بدمائهم تراب سيناء، ومنهم:
الشهيد الملازم أول مهندس محمد عبد السلام من منطقة كرموز، الذي استشهد أثناء إصلاح معدات العبور تحت النيران ليسهل تقدم القوات.
الشهيد الرقيب أحمد إبراهيم زغلول من حي الرمل، الذي تصدى للطائرات المعادية ضمن صفوف سلاح الدفاع الجوي وساهم في حماية سماء مصر.
الشهيد بحري أول محمود عبد العزيز من بحري، أحد أبطال سلاح البحرية الذين شاركوا في تدمير المدمرة الإسرائيلية “إيلات” عام 1967، ثم استمر في أداء واجبه حتى نال الشهادة في معارك القناة.
الشهيد عبد الحميد يوسف من محرم بك، الذي كان ضمن قوات المهندسين العسكريين وأسهم في بناء الكباري وفتح الثغرات لعبور الدبابات المصرية.
هؤلاء الأبطال وغيرهم من أبناء الثغر الباسل، قدموا دروسًا في الولاء والوفاء، لتظل الإسكندرية رمزًا للعطاء والانتماء على مر الزمان.
أكتوبر.. العبور إلى المستقبل
لم يكن العبور مجرد انتصار في ساحة القتال، بل كان عبورًا في الوعي والروح، عبورًا من اليأس إلى الأمل، ومن الهزيمة إلى النصر.
لقد أثبتت حرب أكتوبر أن المصري حين يؤمن بقضيته يصبح أقوى من المستحيل، وأن وحدة الصف والإخلاص للوطن هي سلاح النصر الحقيقي.
وتبقى ذكرى أكتوبر مناسبة تتجدد فيها مشاعر الفخر والامتنان، و يدوي فيها النداء لكل جيل: “احفظوا الوطن كما حفظه شهداؤكم، فبدمائهم كتبوا لكم الحياة”.