مقالات

أين الرجولة في زمننا؟

أين الرجولة في زمننا؟

كتبت : فاطمه ابو النصير

في زمن مضى، كانت كلمة “رجل” تحمل وزنًا ومعنى، كانت تعني السند، القوة، الوفاء، والحماية. كان الأب عمود البيت، والأخ حائط الأمان، والعم امتدادًا للأب في غيابه، وابن العم ظلًا يحمي ويقف في اللحظة التي تحتاجه فيها المرأة.

لكن في زمننا هذا، صار معنى الرجولة باهتًا عند كثيرين. أصبح البعض يتخلى عن دوره، يتهرب من مسؤولياته، وينسحب وقت الحاجة. لم يعد هناك ذلك “الظهر” الذي تستند عليه المرأة الضعيفة في لحظات الانكسار، ولا تلك اليد التي تُمد لتنتشلها من الغرق.

تُترك المرأة وحيدة في مواجهة الحياة، بعدما تتهرب الأدوار واحدًا تلو الآخر؛ الأب يغيب بالموت أو المرض، العم يتخلى، أولاد العم ينشغلون بأنفسهم، والأصدقاء يتوارون. فإذا كانت الأقربون يتراجعون، فإلى من تلجأ؟

غياب الرجولة هنا ليس مجرد غياب جسد، بل غياب موقف، غياب كلمة حق، غياب شهامة كانت تميّز الرجال حقًا. الرجولة ليست بالعضلات ولا بالصوت العالي، بل بالفعل وقت الحاجة، وبالوقوف بجانب الضعيف بلا مصلحة، وبالوفاء بالعهد حتى لو كلفك الأمر الكثير.

إن ما نفتقده اليوم هو “رجال بالمواقف” لا “ذكورًا بالشكل”. فكم من رجل في بطاقة الهوية، لكنه عند الاختبار يختفي! وكم من امرأة ضعيفة صارت تتعلم أن تكون قوية، لأن من كان يجب أن يكون سندها، كان أول من تركها.

الرجولة في زمن الانسحاب

أين أنتم يا من تتباهون بأنكم “رجال”؟ أين أنتم حين تحتاجكم امرأة ضعيفة تبحث عن سند؟ الرجولة ليست صورًا على مواقع التواصل، ولا كلمات تُقال في المجالس عن النخوة والشهامة. الرجولة مواقف، والمواقف لا يكشفها إلا وقت الشدة.

كيف لرجل أن يترك ابنة عمه أو أخته أو حتى جارة تستغيث، ثم يدير ظهره وكأن الأمر لا يعنيه؟ كيف يغيب العم وقت غياب الأب؟ وكيف يتوارى أبناء العم حين يكونون آخر الأمان المتبقي؟

لقد صار التخلي عادة، والتهرب مهارة، واللامبالاة أسلوب حياة. صار الرجل يتفنن في اختلاق الأعذار، وينسى أن الرجولة مسؤولية قبل أن تكون لقبًا.

أما المرأة الضعيفة التي فقدت الأب، وخذلها الأخ، وتخلى عنها العم، وانشغل أبناء العم بحياتهم، فهي اليوم مضطرة أن تكون رجل نفسها. أن تواجه الحياة وحدها، أن تحمل أعباء فوق طاقتها، وأن تكبت ألمها لأن لا أحد سيحمله عنها.

الزمن تغير، لكن الحقائق لا تتغير: الرجولة ليست وراثة، ولا لقب يُمنح، بل موقف يُثبت. ومن يتهرب وقت الحاجة، فقد سقطت عنه صفة الرجولة مهما كان عمره أو نسبه أو ماله.

الخاتمة

إلى كل من يظن أن الرجولة كلمة تُقال أو شارب يُطلق، اعلم أن الرجولة مواقف تُخلّد أو تخزيك للأبد. من يتخلى عن الضعيف وقت حاجته، فقد حكم على نفسه بالخذلان قبل أن يخذل غيره.

اعلموا أن المرأة التي تجبرها الظروف أن تقف وحدها، لن تنسى من خذلها، ولن تغفر لمن تركها تواجه الحياة بلا سند. وحين تصبح أقوى من الجميع، ستدركون أنكم لم تفقدوا فقط لقب “رجل” في نظرها، بل فقدتم مكانكم في قلبها للأبد.

فالرجولة إمّا أن تكون، أو لا تكون… ولا عزاء للمتخلين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى