جنوب سيناء كما لم تُروَ من قبل .. قبائلها وشعراؤها وشيوخها

جنوب سيناء كما لم تُروَ من قبل .. قبائلها وشعراؤها وشيوخها
كتبت :فاطمه ابو النصير
قبائلها وشعراؤها وشيوخها
تقع محافظة جنوب سيناء في الركن الجنوبي الشرقي من أرض مصر، وهي منطقة ذات طابع فريد يجمع بين سحر الطبيعة وعراقة الإنسان. تحدّها شمالًا محافظة شمال سيناء، وغربًا خليج السويس، وشرقًا البحر الأحمر، ومن الجنوب مضيق تيران.
وهي ليست مجرد أرض سياحية أو جغرافية، بل نسيج قبلي متجذر، ومهد للشعر النبطي، ومسرح لحكايات من الشرف والكرامة تُروى على لسان الرجال والنساء، منذ مئات السنين.
—
القبائل في جنوب سيناء
تزخر جنوب سيناء بقبائل عربية عريقة، حافظت على هويتها، ونقلت تراثها من جيل إلى جيل. ومن أبرز هذه القبائل:
قبيلة القرارشة
قبيلة المزينة
قبيلة العليقات
قبيلة الجباليّا
قبيلة الترابين
قبيلة السواركة
قبيلة الحماضة
وقبائل أخرى كالأحيوات، والطميلات، وبني واصل
لكن بين هذه القبائل، تبرز قبيلة القرارشة كمثال حي على الأصالة والقوة، بما تركته من أثر في العرف البدوي، والشعر، والزعامات التاريخية.
—
قبيلة القرارشة: شموخ النسب، وتسلسل الشيوخ العظام
تُعتبر قبيلة القرارشة من أقدم قبائل جنوب سيناء وأكثرها تأثيرًا، وامتدت مساكنهم في مناطق الطور، ووديان فيران، والسهل الأوسط. وقد اشتهرت القبيلة برجالها الأقوياء، الذين اتّصفوا بالفراسة، والعقل، وحسن التدبير.
● الشيخ أبو النصير:
يُعد أول شيوخ القرارشة البارزين، والمؤسس الحقيقي لهيبة القبيلة. كان يُعرف بالحكمة والعدل وسعة الصدر، وكان مجلسه محطّ أنظار كل القبائل. يُحكى عنه أنه كان يُصلح بين المتخاصمين بكلمة واحدة، وأن ضيفه لا يخرج من بيته إلا مكرمًا مشهودًا له.
● من بعده شيوخ عظام…
جاء من بعده شيوخ أكملوا المسيرة، فحملوا اسمه كما حملوا قيمه. وكان أبرزهم:
الشيخ عيد إسماعيل: الذي سار على نهج جده، وكان صوتًا للقرارشة في المجالس العرفية، ورمزًا للكرامة وحسن الخُلق.
ومن بعده
الشيخ حسين: وهو من كبار شيوخ الجيل الحاضر، اتسم بالحكمة والرصانة، وله دور بارز في حل القضايا القبلية، والحفاظ على وحدة القبيلة وهيبتها.
القرارشة لم يكونوا فقط أصحاب جاه، بل حملوا فيهم روح القيادة، فكانوا قضاة، ورواة، وشعراء، وفرسانًا، سطروا أسماءهم في سجلات الكرامة.
—
الشعر النبطي في جنوب سيناء
جنوب سيناء هي مهد الشعر النبطي في مصر. وقد قيل إن أول من نظم هذا اللون من الشعر في سيناء هم رجال القرارشة، الذين عبّروا عن آلامهم وأفراحهم وفخرهم وقضاياهم من خلال كلمات صادقة، عميقة، نابضة بالحياة.
كان الشعر يُلقى في المجالس، ويُتداول في المناسبات، ويُحفظ في الصدور، لا في الأوراق.
ويمتاز شعر بدو سيناء بالبساطة الراقية، والصور المأخوذة من البيئة الجبلية، والصحراء، والنجوم، والإبل، وكل تفاصيل الحياة البدوية.
—
دور الشيوخ في النظام القبلي
الشيخ في جنوب سيناء ليس مجرد زعيم، بل هو قانون متحرك، وحكم عدل، وعقل جماعي للقبيلة.
هؤلاء الرجال تركوا خلفهم سيرة عطرة، كانت ولا تزال تُروى في المجالس كنموذج للفخر والانتماء.
—
المرأة البدوية في جنوب سيناء
المرأة في جنوب سيناء ليست فقط ربة بيت، بل صانعة تراث
تحفظ الشعر، وتنقل القيم، وتربي أبناءها على الشهامة، وكانت لبعضهن مكانة عالية في المجتمع، إذ كانت مشورتها مسموعة في العائلة والقبيلة.
فلا ننسي أول امرأة مشهورة من قبيلة القرارشة يُقال إنها “الشيخة عائشة”، وكانت تُعرف بين الناس بـ عائشة ابو النصير، نسبةً إلى والدها الشيخ عيد اسماعيل ابو النصير
نبذة عن شخصيتها ودورها:
الشيخة عائشة لم تكن فقط ابنة شيخ، بل كانت تحمل هيبة الكلمة وقوة الحضور.
وشاركت في العمل الأهلي والمجتمعي
وأسست جمعية نهضة سيناء
وشاركت في جمعيات اهليه
كانت تحفظ أنساب القبائل وتحترم الأصول والتقاليد، وتُذكّر الناس دائمًا بأن “البدوي من يحفظ العهد ويصون الجار”.
وايضا لا ننسى الشيخة جليلة: أول عضوة شعب في سيناء من النساء، ووقار القرارشة
في سجلات التاريخ البدوي بجنوب سيناء، يبرز اسم الشيخة جليلة بنت سلمان القراشية كعلمٍ من أعلام الحكمة والمكانة الرفيعة، لا بين نساء القرارشة فحسب، بل على مستوى القبائل كافة. فقد كانت أول امرأة تتولى عضوية مجلس الشعب في سيناء، فدخلت المجال العام بثقة المستحقة، لا بتجمُّل ادّعائي، بل بسند من تاريخها ومواقفها ومقامها بين قومها.
ولدت الشيخة جليلة في حضن قبيلة القرارشة العريقة، وتربّت على عادات البادية الصارمة، فجمعت بين الحياء البدوي والصلابة في المواقف، وبين الحكمة الفطرية والرؤية الثاقبة. ولم يكن اختيارها لعضوية مجلس الشعب إلا اعترافًا بمكانتها، فقد كانت تمثّل النساء في المجالس القبلية حتى قبل أن يُفتح لهن المجال الرسمي لذلك
دخلت الشيخة جليلة التاريخ من أوسع أبوابه دون أن تتخلى عن ثوبها البدوي أو تُغيّر لهجتها أو تنسلخ عن جذورها. كانت سيدةً تُمثّل نفسها وقبيلتها ونساء البادية بشرف، وحين جلست على مقعد البرلمان، جلست عليه بهيبة امرأةٍ تحفظ النسب وتصدع بالحق وتفهم جيدًا أن صوتها أمانة لا يُفرّط فيها.
اسمها محفور في ذاكرة القرارشة كأنشودة فخر، تُروى للأجيال الجديدة لتعلم أن للمرأة البدوية دورًا لا يقل شأنًا عن الرجال، إذا وُجدت الحكمة والشرف.
—
الشيخة ثناء القراشية
واحدة من أبرز سيدات قبيلة القرارشة في جنوب سيناء، وتُعد من النساء الرائدات في العمل المجتمعي والتنمية.
تميزت بثقافتها العالية وقدرتها على المزج بين الأصالة والمعاصرة، وكانت صوتًا نسائيًا قويًا في مجتمع بدوي يغلب عليه الطابع الذكوري.
عملت على تمكين المرأة السيناوية وتعزيز دورها في التعليم والحفاظ على التراث.
وكانت لها مواقف واضحة في الدفاع عن حقوق قبيلتها، مع الالتزام بثوابت العادات والتقاليد الأصيلة.
عادات الزواج والضيافة
الزواج عند بدو سيناء يبدأ بالخطبة وفق أعراف دقيقة، ثم الاتفاق على المهر، يلي ذلك احتفال “ليلة الحناء” للنساء، ويوم الزفاف الذي يجتمع فيه كل أفراد القبيلة.
أما الضيافة، فهي شرف القبيلة. القهوة تُقدّم قبل السؤال، والبيت يُفتح للغريب قبل القريب، والذبيحة تُقدَّم علامة على الكرم العربي الأصيل.
—
الزيّ والتراث
الزيّ البدوي في جنوب سيناء لا يزال يُحافظ على شكله وقيمته
وقد حرصت القبائل على توارث هذا التراث جيلاً بعد جيل، وتنظيم مهرجانات للهجن، وأمسيات للشعر، ولقاءات لحفظ الحكايات القديمة.
خاتمة:
جنوب سيناء ليست أرضًا فقط، بل تاريخ يُروى، وأسماء لا تُنسى.
هي موطن القبائل، ومسقط الشعر، ومدرسة في الحكمة والكرامة.
فيها القرارشة، أبناء الشيخ أبو النصير، وسلسلة من الشيوخ الذين حملوا إرث الجبل وهمس البادية، ورفعوا راية العدل والهيبة على مدى قرون.
لكن، وكما هي سنّة الحياة في كل أرض، فإن سيناء ـ مثل سائر بقاع الله ـ فيها الصالح والطالح. فيها من بقي وفيًا لأصله، متمسكًا بقيمه، وفيها من أغرته الدنيا، فتنازل عن مروءته، ومال مع مصلحته الخاصة على حساب من من دمه ولحمه. تغيّرت النفوس كما تغيّر العالم من حولنا، وتبدّلت القيم عند البعض، فاختل ميزان العدل والقرابة.
ورغم ذلك، تبقى الأرض شاهدة، والجبال حافظة، والرمال راوية لحقائق لا تموت.
جنوب سيناء… كما لم تُروَ من قبل.