مقالات

الصيام والصحة النفسية

الصيام والصحة النفسية 

كتبت/ أ.د/ فاطمه حسين 

متابعة / أ.د / وفاء العروسي 

خلق الله الانسان فى احسن تقويم ، هامته عالية وقدماه تضرب الارض حمدا لبارئها. كما حاباه الله واستخلفه فى الارض وجعله سيد المخلوقات، وزين له ايضا حب الشهوات ليجعلها الله ابتلاءاُ وامتحاناً له. وللشهوة أشكالٌ متنوعةٌ اذا انغمس فيها الانسان سقط فى هاويتها، وتثور روحه من شدة سُفُولها ، قال الله تعالى “ونفس وما سواها (7) فألهمها فجورها وتقواها (8) (سورة الشمس)، “أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم  ” ( التوبة 16) . وتلعب الشهوات دورا هاما فى اكتشاف مواطن القوة فى النفس البشرية ، فعندما يصارع الانسان الشهوات ويكبح جماحها ، فأنه يختبر قوة الدفع المركزية لارادته لفطام النفس منها. وتتجلى رحمة الله على الانسان ان فرض عليه الصوم ، وجعله منحة ربانية لحماية بنيته الانسانية من الانغماس فى الشهوات الجسدية والنفسية ، والصوم يساعد الانسان على تزكية نفسه وسمو روحه، فهو بمثابة برنامج تدريبى تطورى يهدف الى تقوية عضلة ارادة الانسان وعزيمته ليتمكن من مصارعة نزواته الغريزية وتتشافى النفس من أدرانها.

تتأثر الجوانب البيولوجية والنفسية والاجتماعية والروحية للانسان تأثرا ايجابيا اثناء رحلة الصيام الروحية، حيث ان التغيرات فى عملية التمثيل الغذائى الناتجة عن الصيام تعمل على تنشيط وظائف المخ من حيث تحسين الأداء الإدراكي، وزيادة المرونة العصبية، وتحسين القدرة على تحمل الالم ومقاومة الأمراض . ويعزز الصيام عمليات التصحيح الذاتى للحمض النووي وزيادة البروتينات التي لها علاقة بمرض السرطان ، ولقد اظهرت نتائج الدراسات أن التعبير الجيني المرتفع لبعض البروتينات في بعض الأورام قد انخفض بشكل كبير لدى الأشخاص الصائمين مقارنة بالاشخاص الغير صائمين . فضلا عن ذلك ، ينشط الصيام فاعلية الخلايا الجذعية التى تساعد في تحسين قدرة الجسم على التعافي عندما يتقدم العمر ، وتزيد مناعة الجسم ضد العدوى، كما يحسن الصيام وظائف الجهاز العصبى ومنظومة الغدد فى الجسم. 

ويتأثر ايضا الجانب النفسى للانسان ايجابياً اثناء عملية الصيام ، حيث يقوم الانسان بترويض نفسه وتطهيرها من كل ما يدنسها للارتقاء بكيانه الانسان . ومن اهم الادوات النفسية الضرورية التى يحتاجها الانسان فى هذه الرحلة الروحية هى الارادة والمثابرة ليتمكن من مجابهة طغيان شهوات الجسد والنفس ، قال الله تعالى ” قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)” . ويقوى الصيام عضلة ارادة الانسان من خلال حرمان نفسه وترك ما يشتهىه ، وهنا يخوض الانسان اكبر المعارك النفسية مع ذاته ، فتتصارع ارادته مع نزعاته الغريزية، وينتفع الانسان نفسيا وروحيا من مردود هذا التدريب . فالانسان عندما يعقد العزم على مجاهدة نفسه فى شهر الصيام بكامل ارادته لتغيير نمط حياته السابق ، الذى ربما افسده بيديه بسقوطه فى ادمان الكثير من العادات السلوكية الغير صحية ، ولم يستطع التخلص منها قبل صيامه. ومن ثم يساعد الصيام على تعلم مهارات ضبط النفس وادارة الذات ” اللهم انى صائم” ، وبذلك يتحررالانسان من عقال نفس لا تشبع . فأن صاحب العزيمة القوية تكون ارادته تحت سلطان عقله ليقاوم رغباته فى دوراته النزوية . ولقد اظهرت نتائج الابحاث العلمية ان الصيام يقلل الاندفاعية ويخلص الجسم من التدخين وادمان المواد المخدرة.

يؤثر الانضباط البدني بشكل إيجابي فى رحلة الصيام على تحقيق التكامل الانسانى . وينتفع الصائم فى هذه الرحلة بعملية التأمل الروحانى، كما يعمل على رصد وتقييم القيم الخاصة به وتنقيح فاعلية برامجه الفكرية والعاطفية التى اعتاد عليها ، ثم بعد ذلك يتخذ قراراً حاسما اما الابقاء واما التخلى عن بعض هذه البرامج التى تعوق تطوره الانسانى . وقد اظهرت نتائج الابحاث العلمية ان الصيام يساعد على تنظيم عملية إفراز هرمون الأدرينالين، مما يساعد على تقليل الأزمات القلبية، والشعور بالخوف والتوتر والهلع ، و يعزز الشعور بالهدوء والسكينة . كما يساعد على تحجيم الافكار السلبية والشعور بالضغط النفسى ويعمل على تحسين الحالة المزاجية للانسان وتحقيق التوازن العاطفي ، وتعزيز التكيف الايجابى مع الضغوط النفسية المختلفة ، وتحسين القدرات الذهنية والوظائف الادراكية والقدرات الابداعية للانسان. كما يتيح الصيام تجربة الحرمان و تدريب النفس على الايثار وتجاوز الذات من خلال الاحساس بالاخرين والتعاطف معهم والتكافل الاجتماعى ، مما يساعد الانسان على بلوغ غاية الرضا والسكينة وتسمو روحه.

فاطمة حسين رمضان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى